من التنجيم إلى التوجيه... كيف أصبح أبو شرعان بوصلة السعوديين في الليالي الحالكة؟

في زمن تتسارع فيه الحياة وتطغى فيه الأضواء الاصطناعية على وهج النجوم، هناك من ظل وجهه نحو السماء، يقرأها كما قرأها الأجداد، ويفك رموزها كما لو كانت كتابا مفتوحا.
إقرأ ايضاً:وظائف جديدة شاغرة: شركة رعاية الطبية التابعة للتأمينات الاجتماعية تعلن عن فتح باب التوظيف تعرف على مدة إجازة عيد الأضحى 2025 في السعودية لجميع القطاعات كما حددتها الموارد البشرية
من أعماق الصحراء خرج رجل لم تخرجه الجامعات، بل علمته النجوم، وتكوّنت حكمته من رمال النفود وأسرار الليل. نحن أمام حكاية استثنائية عن "أبو شرعان"، الفلكي البدوي الذي عاش عمره شاهدًا على السماء، وساكنا في قلب الصحراء.
مولده بين كثبان الثويرات
ولد أبو شرعان عام 1929 في بادية حائل، وتحديدا وسط نفود الثويرات، حيث عاش حياته كلها ولم يفارق تلك الأرض يوما. لم يعرف حياة المدينة، ولم يبدل خيمته ببيت من حجر. لم يتزوج رغم قصة حب قديمة سكنت قلبه، لكن رفض أهله لهذا الزواج جعله يكتفي بذكراها، يحتفظ بها طيفا نقيا عاش معه حتى اللحظة الأخيرة من حياته.
فلكي بالفطرة... معلم الصحراء ومرشد القوافل
لم يكن أبو شرعان مجرد راصد للنجوم، بل كان موسوعة فلكية بشرية، يحفظ الطوالع والفصول، ويقرأ السماء دون الحاجة إلى تقويم أو جهاز.
اعتمد على نظره وحدسه، واستمد من فطرته البدوية علما صار مرجعًا للبادية. ويعد الباحث الفلكي المعروف الدكتور خالد الزعاق من أبرز من تتلمذ على يديه، إذ نهل من علمه منذ صغره، واستفاد من دقته الفلكية النادرة.
أبرز إنجازاته الفلكية
- التحديد الدقيق لفصول السنة من خلال مواقع النجوم.
- التنبؤ بمواسم الأمطار والبرد.
- حساب "الطوالع" البدوية بدقة مذهلة.
- الإرشاد الليلي لمسارات القوافل عبر تتبع مواقع الكواكب والنجوم.
شخصية وطنية من زمن آخر
عاصر أبو شرعان جميع ملوك المملكة، لكنه بقي وفيًا لأسلوب حياته البدوي، رافضًا التخلي عن الصحراء أو التحول إلى المدنية. كان يردد دومًا عبارته الشهيرة:
لا سقف أعلى من النجوم
وبهذه العبارة، لخص فلسفة حياته، التي لم تنفصل يومًا عن السماء.
رحيله... نهاية عصر من النقاء والمعرفة الفطرية
في أبريل 2025، ترجل أبو شرعان عن صهوة الحياة، تاركا خلفه إرثا من الحكمة والمعرفة المتوارثة. خيم الحزن على محبيه، وامتلأت منصات التواصل الاجتماعي بكلمات الرثاء، حيث نعاه الكثيرون معتبرين أن وفاته تمثل نهاية جيل من العلماء الذين لم تخرجهم الجامعات، بل صنعتهم الطبيعة، وربّاهم النجم والقمر والكثيب.